العلماء هم المصلحون الأولون , وهم الأئمة المهتدون , وهم القادة البصيرون , هم ورثة الأنبياء , ونورٌ لمن يمشي في الظلماء .
فالسَّيرُ على طريقهم أمرٌ حميد ورأيٌ سديد , لأنه طريق الأنبياء الذي يرضاه الله عز وجل .
فهاك أخي الكريم , يا من حمّلتَ نفسك رايةَ الإصلاح , وسلكت بها درب الفلاح , إضاءاتٍ من دُررِ الكلام , لشيخنا الإمام محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله وغفر له وجمعنا به في جنته بمنِّهِ وكرمه - ,,,
(( مفهوم النصيحة لولاة الأمور ))
قال - رحمه الله
النصح لولاة الأمور أمرٌ مهم , وهو أهم من النصح لعامتهم , ولكن كيف يكون ذلك ؟
لا بد من سلوك الحكمة في النصيحة لهم ....
فمن النصيحة للأمراء :
أولاً : أن تعتقد وجوب طاعتهم في غير معصية الله , هذا من النصيحة لهم , لأنك إذا لم تعتقد ذلك فلن تطيعه .
ومن الذي أوجبها ؟ الله عز وجل في قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ))
وفي قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إسمعوا وأطيعوا )
وفي مبايعة الصحابة له على ذلك كما في حديث عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا , ويسرنا وعسرنا , وأثرة علينا .
ثانياً : أن نطيع أوامرهم إلا في معصية الله , وإن عصوا ( يعني لو كانوا فُسَّاقاً يشربون الخمر , ويعاقرون النساء , ويلعبون القمار ) يجب علينا طاعتهم , حتى في هذه الحال وإن عصوا , لكن إنْ أمروا بالمعصية , ولو كانت أدنى معصية , ولو لم تكن كبيرة , فإنه لا يجب أن نطيعهم .
ولكن هل نُنَابذ أو أن نقول لا نستطيع أن نفعل , ونقابلهم بهدوء لعلهم يرجعون , يتعين الثاني , لأن منابذتهم قد تؤدي إلى أن يركبوا رؤوسهم , وأن يُلزِموك ويُكرهوكَ على الشيء , لكن إذا أتيتَ بهدوء ونصيحة , وقلت : ربنا وربك الله , والله عز وجل نهى عن هذا , والذي أوجب علينا طاعتكم هو الله عز وجل , لكن في غير المعصية , وتُهادِؤُه , فإن اهتدى فهذا هو المطلوب , وإن لم يهتدي وأجبر , فأنت معذور لأنك مُكرَه .
ثالثاً : من نصيحتهم أن لا نُثِيرَ الناس عليهم , وإثارةُ الناس عليهم ليس معناه أن نقول يا أيها الناس ثوروا على أمرائكم .
هذا لا أحد يقوله , لكن ذكر المساوئ وإخفاء المحاسن يوجب إثارة الناس , لأن الإنسان بشر , وإذا ذكرتَ مساوئ شخص عنده دون ذكر المحاسن سوف يمتلئ قلبه بغضاً له , فهذا أيضاً من نصيحتهم , وقد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الدين .
رابعاً : إبداءُ خطأهم فيما خالفوا فيه الشرع , بمعنى أن لا نسكت , ولكن على وجه الحكمة والإخفاء , ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأى الإنسان من الأمير شيئاً أن يمسك بيده , ذكر (النصيحة أن تمسك بيده , وأن تكلمه فيما بينك وبينه ) لا أن تقوم في الناس وتنشر معايبه , لأن هذا يحصل به فتنة عظيمة , السكوت عن الباطل لا شك أنه خطأ , لكن الكلام في الباطل الذي يؤدي إلى ما هو أشد هذا خطأ أيضاً , فالطريق السليم الذي هو النصيحة وهو من دين الله عز وجل , هو أن يأخذ الإنسان بيده , ويكلمه سرّاً , أو يكاتبه سراً , فإن أمكن أن يوصله إياه فهذا المطلوب وإلا فهناك قنوات , الإنسان البصير يعرف كيف يوصل هذه النصيحة إلى الأمير بالطريق المعروف .
خامساً : إحترامه الاحترام اللائق به , وليس احترام ولي الأمر كاحترام عامة الناس , ربما يأتيك فاسق من عامة الناس لا تبالي به , ولا تلتفت إليه , ولا تكلمه , ولكن ولي الأمر على خلاف ذلك , ولا سيما إذا كان أمام الناس , لأنك إذا أظهرت أنك غير مبالٍ به , فإن هذا ينقص من قدره أمام الناس , ونقصان قدر الأمير أمام الناس له سلبيات خطيرة جداً , ولا سيما إذا كثرت البلبلة وكثر الكلام فإنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة , وكما يتبين لمن كان منكم متأمّلاً أحوال الناس اليوم